ألشهود

الشهود من الأنبياء وعباد الله المُخلَصِين دراسة موضوعية مستوحات من دراسات وتفاسير مدرسة الصحابة (رضي الله عنهم) ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

هناك ثمانية من الأشهاد (شهداء الأعمال) يشهدون يوم القيامة بأذن الله لمعرفة ذلك تستطع مراجعة موضوع الأشهاد . أما في هذا البحث فنخص بذكر الانبياء والرسل وعباد الله المُخلَصِين. لنعرف من هو الشاهد علينا والذي سيشهد على أعمالنا يوم القيامة ، لنعرف من هو الذي يعلم بأفعالنا فرداً فرداً ومن هو هذا الشاهد الذي يسمح له الله في الجديث.

لنبداء بالأيتين الكريمتين التاليتين من سورة النساء والنحل والتي تتحدث عن شهداء الاعمال وهي تخاطب الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلّم) :

" فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا " (النساء 41)

" وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ " (النحل 89)

الأمة هي الأجيال من الناس الذين عاصروا الشهيد (شهيد الاعمال) في فترة حياته ،وبالنسبة للأنبياء فأمته هم من أُرسِل اليهم ومن كان فيهم حتى وفاته.

يأتي الله في يوم القيامة من كل أمة بشخص واحد يكون شاهدا (بأذن الله) على أفراد تلك الأمة التي هو منهم وهو من أنفسهم (كما في الأية الثانية) وهو يشهد عليهم يوم القيامة لأنه يعلم (بعلم الله) ما فعل كل فرد من أفراد أمته ولا يمكن أن يكون شهيدا إلا إذا شهد بالحق وهو على علم بمافعل الفرد سرا أوعلانية. البشر العادي بالحواس التي وهبها الله له و القوى المتعلقة بها لا تتحمل إلا صور أفعال و أعمال الأشخاص الأخرين، وذلك التحمل أيضا إنما يكون في شيء يكون موجودا حاضرا أمامهم (عند الحس) لا غائبا عنهم وأما حقائق الأعمال وما تكسب القلوب فهي بعيدة عن إدراكهم بينما هي ما يدور عليه حساب رب العالمين " يوم تبلى السرائر" وكما في الاية الكريمة 225 من سورة البقرة " و لكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم " فهي مما ليس في وسع الإنسان العادي إحصاؤها و الإحاطة بها و تشخيصها من الحاضرين فضلا عن الغائبين إلا من يتولى الله أمره و يكشف ذلك له بأمره. لذلك لابد للشهداء أن يكونوا معصومون من قبل الله وهم حسب إتفاق المفسرين الانبياء والرسل وعباد الله المُخلَصَين.

والأيتين الكريمتين تخاطب نبينا محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وتقول بعد ذلك " وجئنا بك شهيدا على هؤلاء" أي شهيدا على هؤلاء الشهود من الأنبياء والرسل وعباد الله المُخلَصَون لكون نبينا هو سيد الخلق أجمعين وهو خاتم الأنبياء والمرسلين. في بعض تفاسير مدرسة الصحابة هؤلاء تعني الناس المعاصرين للرسول وهو أمرصعب التصديق. السؤال هوكيف يمكن للرسول أن يشهد على الأنبياء والرسل الذين هم قبله.

عرفنا أن النبياء والرسل هم من الشهداء في يوم القيامة هل هناك من هم من غيرهم؟

هناك ثلاث طرق للدلالة على وجود أخرين ممن يصطفيهم الله ليكونوا شهداء على عامة الناس:

1. الأمة الوسط: في الأية 143 الكريمة من سورة البقرة تتحدث عن الأمة الوسط فمن هم هؤلاء الشهداء الوسط

" وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" (البقرة 143)

بعض تفاسير مدرسة الصحافة تمنح الأمة الاسلامية مرتبة الوسطية وهي بذلك تكون شاهدة على اليهود والنصارى والأمم الكافرة وهذا شيء لا ينسجم مع بحثنا السابق حيث ان شهداء يوم القيامة يجب ان بكونوا مصطفين أبرار وأطهار من الأمة الأسلامية وحتما مرتبة الشهادة لاتنالها أمة تحوي مختلف الدرجات.  فالذين هم اقل من الأبرار الاطهار ولو بدرجة واحدة من الأيمان ليس لهم ذلك، فضلا عن الناس العاديين وحتما ليس للمفسدين نصيب في ذلك.

الوسطية في هذه الاية هي عمودية بين الرسول محمد (صلى الله عليه واله وساّم) والناس وتشمل الشهداء من أمة الأسلام الذين أصطفاهم الله لهذه المهمة.

2. المجتبين: في الأية الكريمة من سورة الحج  يتبين ان هناك أشخاص مجتبين فوق عامة الناس وهم الشهداء عند ربهم يوم القيامة على الناس والرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلّم) شهيداً عليهم أمام الله (سبحانه وتعالى) وإذا كان دور نبينا محمد (صلى الله عليه واله وسلًم ) قد إنتها بوفاته (كما يقول البعض) فكيف يكون شاهدا على الشهود الذين يأتون بعد وفاته وعلى الأمة الاسلامية من بعده.

" وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ" (الحج 78)

 3. فترة بين الانبياء وبعد وفاة الرسول (ص) : تتحدث الاية الكريمة من سورة المائدة  بلسان نبي الله عيسى (عليه السلام) ، حيث انه كان شهيدا على قومه اثناء حياته بين قومه فلما توفاه الله إنقطع إتصاله بهم وبذلك أعتمد على الله بتدبر أمر مراقبتهم والشهادة عليهم يوم القيامة.

" مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " (المائدة 117)

وهذا يدل على ان الله يجتبي من بين الناس أخرين في فترات مابين الانبياء وبعد وفاة سيد المرسلين محمد (صلى الله عليه واله وسلّم) وهذا الاستنتاج يأتي لكون الاية الاولى من هذا البحث في سورة النساء 41 والثانية من سورة النحل، أن الله يأتي من كل أمة بشهيد من انفسهم وهو قانون الاهي لا يمكن ان يتغيّر.

هناك تكملة لهذه الأية الكريمة من سورة المائدة تكمّل المشهد مع نبي الله عيسى (عليه السلام) لتبيّن انه سيعود شاهدا على أمته بعد عودته في اخر الزمان وقبل موته لأنه الان هو حي عند الله رفعه إليه في الأيه 158 من سورة النساء.

" بل رفعه الله اليه وكان الله عزيزاً حكيماً وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيداً" (النساء 158)

4. الفصل بين الشهداء والأنبياء: في الأية التالية من سورة الزمر تفصل بين الأنبياء الذين هم من شهداء الاعمال كما مرّ سابقا وبين الشهداء الذين هم ليسوا بمرتبة الأنبياء والرُسُل
" وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" (الزمر 69)


ياتي الله (سبحانه وتعالى) بالأنبياء والشهداء (عليهم السلام) لمحاسبتهم اولاً في يوم القيامة ليكونوا مستعدين للشهادة على الاخرين.

ثم الاية التالية من سورة النساء تبين الفصل بين الشهداء من الأنبياء ومن غير الانبياء

" وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا"  (النساء 69)


من هم الشهداء من غير الأنبياء 

والسؤال الان هل نعرف من هم المجتبين من أمة محمد (صلى الله عليه واله وسلّم) الذين سيشهدون علينا في يوم القيامة لنعمل شيء قبل فواة الاوان؟

ليكون الأنسان مجتبياً من الله يجب ان يصل الى أعلى درجات الايمان (راجع موضوع درجات الأيمان) في الأمة التي يشهد عليها ولايمكن ان يشهد إنسان على اخر افضل منه درجة عند الله وهؤلاء الشهداء هم في درجة المقربين او الأبرار ولا يمكن ان يكون هناك عدد من الشهداء في كل أمة بل هو شهيد واحد كما تم شرحه في الاية الاولى. من هذا البحث ولمعرفة من هم شهود ما بعد الرسول ومن هو الشاهد عنا ، هناك مَوارِد:

1. اية التطهير:

" إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" (الاحزاب 33)

أهل البيت مطهّرون من الله ولا يوجد غيرهم مطهّرون مذكورون في القران الكريم من الذين أمنوا في زمن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلّم) (القران يذكر مريم (عليها السلام) وهي في عصر سابق. لذلك فهم الشهداء لأنهم أعلى درجة بالأيمان بعد الرسول خاتم الانبياء من الاخرين في عصرهم. 

2. اية التالي بعد الرسول: والأية الكريمة من سورة هود  

" أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ" (هود 17)

تتحدث عن الرسول (ص) ويتلوه بمعنى يتبعه حيث ان التلاوة في العربية تعني الأتباع ( إتباع ما تقراء) وفي الاية الكريمة " والقمر إذا تلاها " ( الشمس 2) ، وفي كثير من التفاسير الذي يتبع او يلي الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلّم) هو الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) الذي هو " منه " ويخلفه بعد وفاته ويكون شاهدا على الامة.

الخلفاء من بعد الرسول:


وهذا يثبت ان الامام علي قد إجتباه الله للشهادة على الأمة فهو قد حاز أعلى درجات الإيمان على كافة الصحابة في عصره وهو الذي أخبر الامة بعد (إخبار الرسول) من سيأتي بعده من شهداء الأعمال في الامم التي تلي أمته الامام الحسن ثم الحسين (عليهم السلام) ثم الأمة التسعة من إبناء الحسين (عليهم السلام) كما جاء في الحديث الصحيح:

صحيح البخاري: في الجزء الرابع في كتاب الأحكام في باب جعله قبل باب إخراج الخصوم، وأهل الريب من البيوت بعد المعرفة (صفحة 175 طبعة مصر سنة 1355 هجري )، حدَّثني محمد بن المثنى حدثنا غندر حدثنا شعبة عن عبد الملك سمعت جابر بن سمرة قال: سمعت النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: " يكون اثنا عشر أميراً فقال كلمة لم أسمعها فقال أبى: انه يقول:" كلهم من قريش ".

صحيح مسلم: في كتاب الإمارة في باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش ( صفحة 191 الجزء 2 ق 1 طبعة مصر سنة 1348 هجري ) حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا جرير عن حسين عن جابر بن سمرة قال: قال: سمعت النبي يقول:- ح وحدثنا رفاعة بن الهيثم الواسطي، واللفظ له حدثنا خالد يعني ابن عبد الله الطحان عن حصين عن جابر بن سمرة قال: دخلت مع النبي فسمعته يقول: " ان هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة ثم تكلم بكلام خفي عليَّ فقلت لأبي: ما قال ؟ قال: كلهم من قريش .


بينما ينفرد مصابيح الموّدة بذكر ما قال رسول الله وهو سبب اخفاء صوته على قريش

ينابيع المودة: ( صفحة 445 طبعة اسلامبول ) عن كتاب مودة القربى عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال: كنت مع أبى عند النبي (صلى الله عليه وآله) فسمعته يقول: " بعدي اثني عشر خليفة ثم أخفى صوته فقلت لأبي ما الذي أخفى صوته ؟ قال: قال: " كلهم من بني هاشم " .

لذلك ففي عصرنا الحالي فالشاهد على أعمالنا هو الأمام المهدي الحجة المنتظر (عليه السلام) وهو في غيبته، يشهد علينا يوم القيامة ويظهر في أخر الزمان فيملىء الارض قسطا وعدلا بعد ان مُلِئت ظُلماً وجوراً

ففي مسند الامام أحمد بن حنبل ، قال رسول الله (ص) " لاتنقضي الايام ولايذهب الدهر حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي إسمه يواطيء إسمي "

وقد صحح الألباني هذا الحديث عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله (ص) يقول : " المهدي من عترتي من ولد فاطمة "

وأخيراً ففي الأية الكريمة من سورة التوبة تجمع الشهود الثلاثة ألله (سبحانه وتعالى) والرسول (صلى الله عليه واله وسلم ) والمؤمنون وهم شهود الأعمال وليس كل المؤمنين وهم الأئمة الأثنا عشر من ولد فاطمة (عليها السلام) الى يوم القيامة.

" وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " (التوبة 105)

أما ألأية التالية من سورة التوبة فهي على نسق السابقة ولكن ليس فيها المؤمنين كشهود للأعمال وسبب ذلك انها تتحدث عن قضية معينة لمجموعة من المنافقين في زمن الرسول (صلى الله عليه واله وسلّم) وهو الذي سيشهد عنهم يوم القيامة.

" يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" (التوبة 94)



والله أعلم