
تختلف التفاسير والدراسات في عدد درجات الايمان وحسب دراستي فهي ثمانية درجات، فلو تخيلنا ان مساحة الايمان بالله هي دائرة مركزها الإيمان الاعلى وحولها حلقات ثمانية تمثل درجات الايمان ومحيط الدائرة الخارجي هو الحد بين الايمان وعدم الايمان (الشرك والكفر) وخارج الدائرة هي مساحة الظلالة وعدم الايمان.
1. درجة السابقون
" وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ " (الواقعة 10)
السابقون تعني الذين يسبقون الاخرين في أداء الواجبات وعمل الصالحات والتقرب الى الله (سبحانه وتعالى) وهنالك تفسيرين للسابقون السابقون التفسير الاول العدد المحدود للذين يسبقون السابقون والتفسير الثاني ان السابقون الثانية هي أسمهم والاولى حالهم انهم السابقون. لذلك فهم المقربون الى الله (عزّ وجلّ) والقربة الى الله ليست بالمسافة (لأنه لايمكن تحديد الله بمكان معيّن) ولكنها القربة بالصفات والمنزلة عند الله وهي منزلة صعبة المنال على عامة الناس لذلك فلا ينالها إلا عباد الله المُخلَصِين (لمصطفين) من الانبياء والرُّسُل المعصومين. وهم " ثلة من الأولين " تعني عدد كثير من العصور الاولى قبل الأسلام و" قليل من الأخرين " تعني عدد قليل نسبيا من العصور الاخيرة أي من أمة الأسلام. وهم في جنة النعيم أعلى الجنان.
والايات الاخرى التي تفسر معنى السبق هي:
" وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " ( البقرة: 148 )
"سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " ( الحديد: 21)
وأقرب المقربين الى الله (سبحانه وتعالى) هم الرُّسُل الخمسة ذوي العزم وهم نوح (عبد الله ) وابراهيم (خليل الله) وموسى (كليم الله) وعيسى (روح الله) ومحمد (صلى الله عليه واله وسلّم) (حبيب الله) وأقربهم الى الله (عزّ وجلّ)على الاطلاق من ناحية الصفات والمنزلة هو نبينا محمد (صلى الله عليه واله وسلّم) كما في الاية الكريمة 9 من سورة النجم التي تصف معراج الرسول الى الله (سبحانه وتعالى)
" ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى، وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى، ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى " (النجم 6)
فقد وصل الرسول (صلى الله عليه واله وسلّم) بروحه ومنزلته الأيمانية من الله وصفاته، قاب قوسين أو ادنى من صفات الله (سبحانه وتعالى) لذلك فهو اقرب المقربين على الاطلاق
2. درجة الأبرار
وهي منزلة تأتي بعد منزلة المقربين وتشترك معها في كون الابرار والمقربون هم جميعا في جنات النعيم وهي أعلى درجات الجنان ولو ان جنة النعيم ايضا فيها درجات كما سيأتي،
" كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ، كِتَابٌ مَرْقُومٌ، يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ " (المطففين 19)
كتاب الأبرار يبين أعمالهم وهم النخب المصطفين من البشر إصطفاهم الله لأعمالهم ومنزلتهم الرفيعة وكتاب الأبرار في اعلى الدرجات الممكنة يشهده المقربون ويستبشرون بهم وهم في جنات النعيم مع المقربون كما في الايات التي تليها.
ومنزلة الأبرار في جنة النعيم وحالهم في الجنة تتحدث عنه الايات التالية
" إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ، تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ " (المطففين 22)
في جنات النعيم الأبراريشربون من مشروب مزاجه كافورا (اي مخلوط بالكافور) ولكن هذا الكافور ينبع من عين يفجرونها المقربون (عباد الله) في نفس جنة النعيم فهم يشربونها خالصة غير ممزوجة "يشرب بها" كما في الايات الكريمة التالية من سورة الانسان
" إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا، عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا " (الانسان 6)
الأبرار كلمة بالعربية مأخوذة من البر وهو الأحسان وفي الاية الكريمة من سورة " وصفاة الأبرار مذكورة في القران في الاية التي تلي الأية من سورة الأنسان، أما كيفية الأستدلال فسنحاول توضيحه
" يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا، وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا " (الأنسان 8)
أولا الاية هي في سياق الأيات التي سبقتها والتي تليها، وقد نزلت هذه الاية في أهل بيت الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلّم) نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين إذا هم المقصودين بالأبرار، وكذلك فكلمة "حبه " في هذه الأية تعود الى الطعام وليست عائدة لله (حسب تفسير الميزان) والأية الكريمة:" لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ " (ال عمران 92) أي ان الأنسان لا ينال مرتبة الأبرار حتى ينفق مما يحب.
وسبب نزول هذه الأية مروي عن: قتادة ، والحسن البصري ، ومجاهد ، والضحاك ، وابن جبير ، وابن مسعود ، وابن عباس وحسب تفسير الكشاف للزمخشري: :
" عن ابن عباس (رض): أن الحسن والحسين مرضا ، فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ناس معه، فقالوا ياأباالحسن لو نذرت على ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما، إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا وما معهما شئ، فاستقرض عليٌ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال:السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياماً، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك ، فلما أصبحوا أخذ علي (رض) بيد الحسن والحسين وأقبلوا الى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها، وقد التصق بطنها في ظهرها، وغارت عيناها فساءه ذلك، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام وقال: خذها يا محمد هنأك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة". انتهى :
وطبعا هنالك أخرين كثيرين وصلوا الى مرتبة الأبرار بأعمالهم وما تقدم عن أهل بيت رسول الله هو مثال لما هو مذكور في القران الكريم ، تابع موضوع الأبرار في هذه البحوث.
3. درجة المخبتين:
قد تكون درجة المخبتين هي التالية وذلك لأن الله قد ميزّهم عن باقي المؤمنين كما في الأية الكريمة
" وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " (الحج 35)
والمخبتين في اللغة تعني المُطْمَئِنِّين ، المُتَواضِعون ، الخاشعين وقد ذكر المخبتين من ضمن هذه الأية من أيات الحج لذلك فهم من حج الى بيت الله محتسبا عارفا بدينه ومؤديا الى شعائره بصورة صحيحة بأيمان كامل ثم ان الأية قد ركزّت على صفاتهم الأربعة التي تميزهم عن باقي المؤمنين وهي خوفهم من الله كلما ذكر والصابرين على ما يصيبهم في اثناء الحج وفي الحياة اليومية والمقيمي الصلاة، وإقامة الصلاة (هو ليس إداء الصلاة) وإنما هي اعلا درجات الاداء من حيث أدائها بأوقاتها وبمقوماتها وبخشوع وبكل ما يجعلها مقبولة عند الله عزّ وجلّ ، وأخيرا الانفاق في سبيل الله من زكاة وصدقة وما الى ذلك.
والأية الكريمة التالية من سورة الحج أيضا:
" وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " (الحج 54)
فالذين أوتوا العلم من الله (العلماء الربانيون) والراسخون في العلم هم من المخبتين. وفي الحديث المروي عن الأمام الصادق (عليه السلام) عند زيارة عمه العبّاس (عليه السلام) ” جَمَعَ اللهُ بَينِنَا وبَينَكَ وبَيْنَ رَسُولهِ واوليائِهِ في مَنازِل المُخْبِتِينَ ، فَإنه أرْحَم الراحِمين " والمراد هنا ان الرسول والأئمة الأطهار هم في الدرجات الأعلى في جنة النعيم يستطيعون الهبوط لزيارة من هم في جنات اخرى كالمخبتين
وما روي عن أبوعبد الله الأمام الحسين (عليه السلام) كان إذا نظر إلى الفضيل بن يسار مُقبِلاً قالَ " بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ "، إن فضيلاً من أصحاب أبي و كذلك ماروي عن الأمام الحسين (عليه السلام) كان يقول في أربعة من أصحابه ( بُرَيْدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْعِجْلِيُّ وَ أَبُو بَصِيرٍ لَيْثُ بْنُ الْبَخْتَرِيِّ الْمُرَادِيُّ ومُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَزُرَارَةُ ) ” بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ بِالْجَنَّةِ ، أَرْبَعَةٌ نُجَبَاءُ أُمَنَاءُ اللَّهِ عَلَى حَلَالِهِ وحَرَامِهِ ولَوْلَا هَؤُلَاءِ لانْقَطَعَتْ آثَارُ النُّبُوَّةِ وَانْدَرَسَتْ “
انظروا الى هذا العمل الهائل الذي قام به هؤلاء الاربعة بصيانتهم لدين الله وقد حصلوا على هذه الدرجة العالية
4. درجة أصحَابُ المَيْمَنَة
الميمنة باللغة من اليُمْن وهو البركة ومنها أصحاب الميمنة اي أصحاب البركة الألهية
" فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ " (الواقعة 8)
وهم الذين ذكرهم القران الكريم في سورة الواقعة أعلاه وكذلك سورة البلد، فقد اثنى عليهم الله في السورتين وأصحاب الميمنة على درجات مختلفة ضمن هذه الدلرجة حيث ان مستواها يعتمد على درجة إيمان الشخص وعمله الصالح الذي يقرّبه الى الله عزّ وجلّ وصفاتهم في الأية الكريمة من سورة البلد:
" فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ، فَكُّ رَقَبَةٍ ، أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ، أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ، ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ " ( البلد 18)
إقتحم باللغة أي دخل بقوة وبسرعة العقبة باللغة هي الطريق الوعرة وهي مرحلة من مراحل جهنّم معنية بالأنفاق في سبيل الله، ولا يمكن عبورها إلا لمن كان مؤمناً بالله إيمانا صادقا وكان يتواصى مع الاخرين بالصبر على طاعة الله والصبر على العبادة والصبر على قضائه وبالمرحمة اي الرحمة ولديه أعمال في سبيل الله تميزه مثل إطعام فقيراً في يوم " ذي مسغبة " مجاعة فيه قحط شديد أو رعاية يتيم ذا مقربة رعاية صحيحة او إنقاذ مسكينا " ذا متربة " مسحوقا كالتراب من براثن الهلاك و" فك رقبة " تعني الأتيان الفعلي بالعمل والتحرر من القيود الدنيوية الى الانفاق في سبيل الله.
واليمين هو أيضا من اليُمْنِ وأصحاب اليمين يعني الذين يؤتون كتبهم من اليمين كما في الأية الكريمة من سورة الواقعة:
" وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ، فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ ....... لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ، ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ " (الواقعة 27)
وفي الاية الكريمة من سورة الأسراء :
" يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا " (الأسراء 71)
يوم هو يوم القيامة والأمام هو المقتدى به في الحياة الدنيا بشرا من الذين جعلهم الله من الهادين الى السراط المستقيم او الذين يهدون لغيرالله او أن يكون الأمام كتابا يهتدى به كالكتب المنزلة وقد يكونوا الأثنين. ومن يؤتى كتابه بيمينه فو الفائز ويفتخر في عرضه على الاخرين كما في الاية الكريمة " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ" (الحاقة 19) وكذلك فان حسابه يسيراً " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا " (الأنشقاق 8)
" وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ، وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ، إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ، نَذِيرًا لِلْبَشَرِ، لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ، كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ، إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ " (المدّثر 39)
5. درجة الخواص
الأرتفاع عن درجة الإيمان العام (او إيمان العوام) الى إيمان الخواص تعطي الأنسان تعني الوصول الى إيمناً راسخا بالله وإتباعا أدّق لرسالة نبيه محمد (صلى الله عليه وله وسلّم) وفهما أكبر لأيات وتعاليم قرانه وفهما للكتب السماوية الأخرى كما هو في الأية الكريمة من سورة النساء حيث يوصي الله (عزّ وجلّ ) بالأرتفاع بالأيمان الى مرتبة اعلى:
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا " (النساء 136)
للوصول الى هذه الدرجة (إيمان الخواص) كما في الأية الكريمة " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ " على المؤمنين تجديد الإيمان بدراسة أمور دينهم بصورة متجردة والبحث عن الحقائق وعدم الإعتماد على ما تعلموه من الأخرين او من ابائهم. والحديث المنسوب للأمام الصادق (عليه السلام) " كتاب الله عزّ وجلّ يحتوي على أربعة أشياء، العبارة والإشارة واللطائف والحقائق؛ فالعبارة للعوام والإشارة للخواص واللطائِف للأولياء والحقائِق للأنبياء " (بحار الأنوار)
أما في الأية الكريمة من سورة المائدة فالله يوصي بالتقوى والأرتفاع بالأيمان بعد الأيمان لثالث درجة ليغفر الله لهم ما طعموا من طعام غير مُذكّى وشربهم الخمر حتى بعد تحريمه.
" لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (المائدة 93)
الأيات الكريمة التالية من سورة النساء إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (النساء 137) تبين للمؤمنين كيف ان الأكتفاء بإيمان العوام مسألة لا تكفي على الأطلاق لأحتمال الأنحراف الى الكفر والمطلوب هو إعادة ترويض النفس بتجديد الإيمان بالله وبرسالة محمد (صلى الله عليه واله وسلّم) وبمعاني القران لنزداد إيمانا ونقي النفس من الأنحراف.
6. درجة العوام
أما ابسط درجات الإيمان فهي درجة العوام وهم الذين يفهمون الدين فهما سطحيا يؤدون الواجبات ويؤمنون بالله وبرسوله وكتبه واليوم الأخر، يصفهم الله بأنهم أميون لا يعلمون من الكتاب إلا أماني، كما في الاية الكريمة
" وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ " (البقرة 78)
وهم الذين يكونون قرب محيط الدائرة الذي يفصل بين الأيمان والكفر أو بين الإيمان والشرك، كما في الأية 137 السابقة من سورة النساء فهم ينتقلون من الإيمان الى الكفر وبالعكس بسهولة تامة لعدم ترسخ الايمان في انفسهم. وفي الأية الكريمة التالية تبين الأيمان المبني على حرف والحرف باللغة هو الحافة، كحرف الجبل هو حافته.
" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ "( الحج 11)
كما في هذه الأية والتي تليها يكون الإيمان على الحافة ونفس الأنسان قلقة وغير مستقرة كما هو الحال في درجة الخواص.
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ " (المائدة 54)
الارتداد هو ليس الأنحراف والأرتداد عن الدين ولكنه إرتداد بإتباع وتولي الكافرين أوالمنافقين أو اليهود والنصارى ويكون ذلك بسبب عدم التعمق بالدين ودراسته.
7. درجة الأعراب
وهي درجة الصفر في درجات الإيمان وهي الدرجة التي يذكر فيها المسلم الشهادتين ويصبح مسلما وهو لا يزال في أول طريق الايمان بالله والتصديق بالغيب وكثير من الناس على هذه الشاكله بعضهم لا يرتفع لأكثر من ذلك.
" قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " (الحجرات 14)
في الأيه اعلاه هؤلاء الأعراب يعتقدون انهم مؤمنين ولكن هنالك من يقول بالأيمان بالله وباليوم الأخر ولكنهم بالحقيقه هم غير مؤمنين وهم يعلمون ذلك فهم يخادعون كما في الاية التاليه من سورة البقرة
" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ، يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ " (البقرة 8)
وهؤلاء هم المنافقون