الأشهاد

دراسة موضوعية في القران الكريم عن موضوع الأشهاد على الأعمال مستنبط من التفاسير والدراسات المعتبرة لمدرسة الصحابة (رضي الله عنهم ) ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام)

في الأيتين الكريمتين من سورة غافر وسورة هود ترد كلمة الأشهاد فمن هم الأشهاد على الأعمال وطبعا هم ليسوا الذين يقتلون في سبيل الله بل كما سيتوضح الأمر:

" إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ " (غافر 51)

" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " (هود 18)

الأشهاد: جمع شاهد والشاهد من اسماء الله (سبحانه وتعالى) فهو الشاهد المطلق والشاهد يعني الذي لا يخفى عليه شيء ومعنى الشاهد بالعربية: الحاضر .

الشهود أو الاشهاد الذين يؤدون الشهادة بأذن الله وهم مكلفون من الله (عزّ وجلّ) في عالم الغيب والشهادة كما في الأية الكريمة من سورة التوبة

" يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ۚ قُل لَّا تَعْتَذِرُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّـهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ۚ وَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (التوبة 94)

الية من جملة الأيات التي تعني المنافقين وتخص معركة (تبوك) وقد قيل نزلت في ثمانين رجلاً منهم (جد بن قيس و متعب بن قشير و أصحابهما )، والأية تخاطب الرسول (صلى الله عليهم واله وسلّم) ) وما يخصنا من هذه الأية ان شهداء الأعمال لابد ان يكونوا على علم بأفعال من يشهدون عليهم " نبأنا الله من أخباركم " ،  فالعلم إذا ليس بظاهر الافعال فقط بل بالنوايا ويحصل بتسديد من الله (عزّ وجلّ)  لذلك لابد ان يكون ذلك بوحي من الله.

" إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ " (هود 103)

جمع الناس كلهم في يوم القيامة في محاكمة واحدة ضروري لأن عمل شخص بصورة منفردة قد يكون متأثراً من عمل من هو قبله وعمله قد يكون مؤثراً في أعمال الأخرين في أثناء حياته وفيما بعده. فالفتاوا والعمل الصالح والصدقات الجارية تؤثر في الأجيال التي تلي وكذلك الفتاوا الغير صحيحة قد تؤثر في التابعين. لذلك فالله يسأل الناس والرسل حتى لو كان الله عالما بكل شيء كما في الأية:

" فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ، فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ " (الأعراف 6)


الأشهاد: جمع تكسير لكون فيهم من غير العاقل وهم حسب الدراسة تسعة أشهاد وقد يكونوا أكثر (والله أعلم) :

1. الله (سبحانه وتعالى)

الله المهيمن على كل شيء وهو يعلم ما تخفي الانفس وما تعلن في وقت حدوث العمل، ففي سورة المجادلة أية 6 وفي أيات كثيرة في القران الكريم يبين لنا الله لنا علمه بكل عمل نقوم به ، لذلك فالله أول وأكبر واعظم شاهد على أعمالنا والله لا يحتاج لأحد من الشهود ولكن لشيء ما نجهله يأتي بالبراهين ليثبت عدالته

" يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ " (المجادلة 6)

من الاية الكريمة الله يحصي كل شيء في كتاب لا ينسى شيء مما نعمل في حياتنا الدنيا

" وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ " ﴿يونس 61)


2. الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم)

خاتم الانبياء محمد (صلى الله عليه واله سلم) هو الشاهد على أعمال كافة البشر (بأذن الله) من الذين عاصروه في أثناء حياته (أصحابه) والتابعين من بعدهم الى يوم القيامة وهو الشاهد على العصور السابقة له من خلال شهادته على الأنبياء والرسل الذين بعثوا قبله. ففي الاية الكريمة من سورة الاحزاب:

" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا " (الاحزاب 46)

يتبين ان الله ارسل خاتم الانبياء (ص) ليكون شاهدا على افعال العالمين من الانس والجن في الحياة الدنيا قبل ان يكون مبشرا ونذيرا وداعيا وسراجا منيرا لكونه قد ارسل الى العالمين وهو في بوم القبامة يدلي بشهادته لكل من سأله حاجته في الدنيا وهو كذلك شاهدا على باقي الأنبياء الذين هم شهودا على أممهم كما في الايات المبينة في القسم الثالث . وفي القران الكريم شواهد أخرى على ان الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) ارسل ليكون شاهدا على البشرية

" إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا " (المزمل 16)

كلمة عليكم في الاية الكريمة تعني على كافة البشرية اثناء خياته الكريمة وبعد وفاته لأن ايات القران مستمرة ومنطبقة حتى قيام الساعة. لذلك فأن طلبنا من الرسول الان بعد وفاته ليكون سندنا يوم القيامة لا يخرج من محتوى هذه الاية، كما ان الله ارسل للبشرية محمدا (صلى الله عليه واله وسلم) كما ارسل موسى الى فرعون وقومه ليكون شاهدا عليهم. ومن الايات الاخرى التي تؤيد كون النبي (ص) سيكون شاهدا علينا يوم القيامة الاية 8 من سورة الفتح

" إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا " (الفتح 8)

3. الأنبياء (عليهم السلام)

في القران الكريم أيات كثيرة تدل على ان الأنبياء والمُخلَصِين من عباده هم شهودا على أممهم في فترة حياتهم وأن الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم) هو شاهد على كافة الانبياء والرسل أمام الله سبحانه وتعالى كما في الايات التالية:

" فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا " (النساء 41)

" وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ " (النحل 89)

في يوم القيامة يأتي الله من كل أمة بشخص واحد يكون شاهدا على ابناء أمته بأذن الله وهو يشهد لأنه يعلم علم اليقين ما فعل كل فرد من أمته سرا أوعلانية وهؤلاء الشهداء ، حسب الظاهر، هم الانبياء والرسل وعباد الله المُخلَصَين. والأمة هي مجموع الناس الذين عاصروا الشهيد في فترة حياته ، والاية " وجئنا بك" اي بك يا محمد (صلى الله عليه واله وسلم) شهيدا على هؤلاء الشهود (من الأنبياء والرسل والعباد المُخلَصَون) ولتفصيل أكثر راجع موضوع الشهود

4. المؤمنون (عليهم السلام)

من الواضح في الأية الكريمة من سورة التوبة 105

" وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " (التوبة 105)
 وهذه الأية على نسق الأية رقم 94 من سورة التوبة ولكن هنا جعل المؤمنون من الشهود وذلك لأن الأية 94 تتحدث عن حالة معينة وهذه عامة.
الخطاب موجه للمسلمين ، ان الله سبحانه وتعالى ورسوله (صلى الله عليه وأله وسلّم ) هم من شهود الأعمال يوم القيامة وهذا ما تم مناقشته سابقاً ولكن في الأية التالية وضع المؤمنون كشهود حيث لايمكن ان يكونوا شهودا إلا ان يروا اعمال البشر ورؤيتهم تختلف عن الرؤية العادية فهي تعني رؤية حقيقة الأعمال اي نيات الأعمال وقد وضعوا بنفس مرتبة رؤية الله ورسوله للبشر

ولمعرفة من هم هؤلاء الذين جعلت رؤيتهم للأعمال وشهادتهم مقبولة وبنفس مرتبة رؤية الله والرسول، لا بد ان يكونوا مجموعة إختارها الله من بين البشر ومنحها قابلية معرفة اسرار الأعمال. لا يمكن تفسير ذلك إلا ان نعود الى مرتبة أهل بيت الرسول المعصومون المطهرون.

5. نفس الأنسان

النفس في يوم القيامة تعلم تفصيلا بأعمالها التي عملتها في الحياة الدنيا وهذا واضح في الاية الكريمة من سورة الانفطار

" عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ " (الانفطار 5)

وهذا غير ما يحصل لها من العلم بأعمالها بعد نشر الكتاب الذي وضعه الكرام الكاتبين ، كما سيأتي ذكرهم ، وذلك لظاهر قوله سبحانه وتعالى: " بل الإنسان على نفسه بصيرة و لو ألقى معاذيره " ( القيامة: 15 ) و قوله تعالى " يوم يتذكر الإنسان ما سعى"  ( النازعات 35)، وقوله: " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء " ( آل عمران 30

والمراد بالنفس ، في الاية الكريمة أعلاه من سورة (الانفطار)، جنس النفس فهي تفيد الشمول، والمراد بما قدمت و ما أخرت هو ما قدمته من أعمال في حياتها الدنيا، و بما أخرت ما سنته من سنة حسنة أو سيئة فعملت بها بعد موتها فتكتب في صحيفة عملها كالصدقة الجارية (كبناء مسجداً او كتاب يُنتفع به) كقول الله سبحانه وتعالى: " ونكتب ما قدموا و آثارهم " ( يس: 12)

وبذلك تشهد نفس الانسان على الانسان بعد بماعلمته وتذكرت ماقدّمت وما اخرّت كما في الاية التالية من سورة الانعام

" قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم إنهم كانوا الكافرين " (الانعام 130)


6. الكرام الكاتبين (عليهم السلام)

" وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ " (الأنفطار 9)

هؤلاء من جنس الملائكة أولي كرامة وعزة عند الله تعالى، كلفهم الله سبحانه وتعالى بكتابة ما نعمل وهم يعرفون سرائر النفس ناهيك عن الظواهرها كما في الأيتين التاليتين من سورة الزخرف وسورة يونس

" أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْويهُمْ بَلى وَرُسُلنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ " (الزخرف 80)

" قُلِ اللّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ " (يونس 20)

 " كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ ، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ، كِرَامٍ بَرَرَةٍ " (عبس 16)

 وقد تكرر في القرآن الكريم وصف الملائكة بالكرامة فما معنى كونهم كرام؟ المعنى انهم بعيدون عن الأثام والمعصية مفطورون على العصمة، ويؤيد ذلك  قوله تعالى:

" بَلْ عِبَادٌ مُكرَمون لا يَسْبِقونَهُ بالقَولِ وهُم بِأمْرِهِ يَعْمَلون " (الأنبياء 26)

 حيث تدل الأية على أن الكرام الكاتبين لا يكتبون إلا ما يأمرهم به الله ولا يفعلون إلا ما يأمرهم به الله (سبحانه وتعالى)، وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى  " كرام بررة " (عبس 16) إي معصومون من الخطء

والأيات أعلاه تدل على أن أعمال الإنسان تكون حاضرة في يوم القيامة محفوظة من طريق آخر غير حضورها للإنسان العامل لها بنفسه كما في بحثنا السابق (نفس الأنسان) من طريق الذكر وذلك حفظها بكتابة كتاب الأعمال من الملائكة الموكلين بالإنسان فيحاسب عليها كما في الأية الكريمة من سورة الأسراء

" وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا، اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا " (الإسراء 14)

ويكونوا شهداء علينا في اليوم الاخر كما هو في أية 21 من سورة ق.

" وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ " (ق 21)

قد يكون الكرام الكاتبين هم المقصودون في الشهيد في الاية وقد يكون هنالك أحد الملائكة المكلفين ببيان ما قد كُتب وعلى أي حال فأن هنالك من جنس الملائكة من يكون شاهدا علينا في يوم الحساب

 وهذا دعاء الخضر (عليه السلام) كما علّمه الأمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الى كميل بن زياد (رضي الله عنه) 

" اِلهى وَسَيِّدى فَأَسْأَلُكَ بِالْقُدْرَةِ الَّتى قَدَّرْتَها، وَبِالْقَضِيَّةِ الَّتي حَتَمْتَها وَحَكَمْتَها وَغَلَبْتَ مَنْ عَلَيْهِ اَجْرَيْتَها اَنْ تَهَبَ لى فى هذِهِ اللَّيْلَةِ وَفي هذِهِ السّاعَةِ كُلَّ جُرْم اَجْرَمْتُهُ، وَكُلَّ ذَنْب اَذْنَبْتُهُ، وَكُلَّ قَبِيح اَسْرَرْتُهُ، وَكُلَّ جَهْل عَمِلْتُهُ، كَتَمْتُهُ اَوْ اَعْلَنْتُهُ اَخْفَيْتُهُ اَوْ اَظْهَرْتُهُ، وَكُلَّ سَيِّئَة اَمَرْتَ بِاِثْباتِهَا الْكِرامَ الْكاتِبينَ الَّذينَ وَكَّلْتَهُمْ بِحِفْظِ ما يَكُونُ مِنّي وَجَعَلْتَهُمْ شُهُوداً عَلَيَّ مَعَ جَوارِحي، وَكُنْتَ اَنْتَ الرَّقيبَ عَلَيَّ مِنْ وَرائِهِمْ، وَالشّاهِدَ لِما خَفِيَ عَنْهُمْ، وَبِرَحْمَتِكَ اَخْفَيْتَهُ، وَبِفَضْلِكَ سَتَرْتَهُ، وَاَنْ تُوَفِّرَ حَظّي مِنْ كُلِّ خَيْر اَنْزَلْتَهُ (تُنَزِّلُهُ) اَوْ اِحْسان فَضَّلْتَهُ اَوْ بِرٍّ نَشَرْتَهُ (تَنْشُرُهُ) اَوْ رِزْق بَسَطْتَهُ (تَبْسُطُهُ) اَوْ ذَنْب تَغْفِرُهُ اَوْ خَطَأ تَسْتُرُهُ "،

الدعاء عالي التعابير وهو يشرح شهادة الكرام الكاتبين ورقابة الله عزّ وجلّ من ورائهم على ما خفي عليهم (وبرحمة الله تم إخفائه عليهم) وهي تنسجم مع وتشرح تماما الأية 24 أعلاه من سورة الأنبياء.




7. البدن والجَوارِح

بدن الانسان يكون مختلف عن بدنه في الحياة الدنيا ويسمى الأمثل لأن جوارحه وحواسه واعضائه تنطق فهو يشهد علينا يوم القيامة فقد أنطق الله البدن والحواس لتكون شاهدا على الافعال وحسب الظاهر فأن بدننا الحالي لديه قابلية تسجيل وخزن الاحداث ومراقبتها بأذن الله وهذا التسجيل يختلف عن ما يكتب الكرام الكاتبين. ففي الاية الكريمة من سورة يس

" الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " (يس 65)

الاية الكريمة أعلاه تبين لنا ان الأيدي والارجل تشهد على افعالنا يوم القيامة وما كسبنا من عمل الخير وما عملنا من شر

" حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " (فصلت 20)

" وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " (فصلت 21)

في الايات الكريمة من (سورة فصلت) تبين ان حاسة السمع تشهد علينا بما سمعنا في الحياة الدنيا من قران مرتل أو دعاء ومحاضرة دينية أو علمية وعلى نقيض ذلك الاغاني والغيبة والإفتراء وما الى ذلك ثم الابصار وتمثل حاسة البصر وفي القران أيات كثيرة عن اهمية غض الابصار كما في سورة النور 30 ، لمن اراد تكملة البحث يرجى المتابعة في موضوع الحواس . أما الجلود فقد تكون المقصود بها حاسة اللمس وفي بعض التفاسير تشمل الفروج كما جاء في سورة النور 30. "الله الذي أنطق كل شيْ " تعني ان الله انطق كل شيء في بدن الانسان وقد يكون المعنى أعم من ذلك فيشمل كل شيء كان في الحياة الدنيا كما سيأتي بالنسبة للأرض.

" قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" (النور 30)

اما سورة النور أية 24

" يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النور 24)

تذكر كيف ان حاسة النطق والتذوق المتمثلة في اللسان تشهد علبنا كذلك وافة اللسان افة عظيمة من الصعب السيطرة عليها فالغناء مثلا والغيبة والنميمة والسب كلها من الامور التي تزيد من أوزارنا يوم القيامة بينما تلاوة القران والصلاة والدعاء والامر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يثقل الموازين عند الحساب، لمتابعة موضوع الحواس.

8. القران الكريم

يشهد القران الكريم عنا في يوم الحساب كما جاء في الاية رقم 29 من سورة الجاثية

" وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلِيكُم بِالحَق إنّا كُنّا نَسْتنَسِخُ ما كَنْتُم تَعمَلون " (الجاثية 29)

الكتاب في الأية يعني (القران) يشهد علينا كما تشهد بقية الكتب السماوية على اليهود والنصارى والصابئة، وشهادة القران الكريم عن ما ذا تعلمناه منه وكم ساعة من عمرنا قراءناه وكيف درسناه و طبقنا تعاليمه في حياتنا الدنيا ومعاملاتنا. هل نبذناه خلف ظهورنا أم هل حملناه كالحميرالتي تحمل اأسفار ولا تدري ماذا تحمل كما فعل ذلك اهل الكتاب من اليهود والنصارى، ففي الاية الكريمة (101) من سورة البقرة

" وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ " (البقرة 101)

وهؤلاء اليهود الذين نبذوا كتاب الله وهو التوراة بالرغم من ان الرسول (صلى الله عليه واله وسلّم) جائهم مصدقٌ لما معهم وليس مخالف له. وفي الأية كأنهم لايعلمون أي انهم يعلمون انه الحق ولكن يمارون فيه.

أو كذلك ما جاء في سورة الجمعة بالمقارنة مع اليهود وما فعلوا بكتاب الله التوراة

" مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " (الجمعة 5)

والتشبيه عظيم فالحمار لايعلم ما يحمل من متاع على ظهره ولايريد ان يعلم فهم قوم ظالمون.

9. الارض او المكان

كل ما إكتنزت الارض من معلومات وهي هائلة عن كل فرد ماذا عمل فوقها فمنا من أقام الصلاة على الارض ومنا من حرث وزرع ومنا من حفظ ابيبئة ومن ناحية اخرى منا من قتل نفس او عمل فساد في الارض او من عمل شيء لايرضي الله، الارض لا تخرج أثقالها فقط يوم القيامة بل تشهد عنا وتحدث بأخبارها يوم القيامة " تحدث أخبارها " كما في الاية الكريمة من سورة الزلزلة

" وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا " (الزلزلة 5)

الاثقال هنا تعني المعلومات المدونّة والمكنونة عند بقع الارض ويومئذن يتعجب الأنسان ويقول ما لها كما قال سابقا لبدنه لما شهدتم عليّ

والحمد لله رب العالمين

.